الأنانية تحكم كل أفعالنا بلا استثناء
<BLOCKQUOTE class="postcontent restore">
كل ما يفعله أى إنسان مهما كان فى ظاهره تضحية فى الواقع نابع من أنانيته. فالمؤمن المتصدق على الفقراء يفعل ذلك طمعاً فى دخول الجنة أو فى راحة الضمير، والأم الساهرة على راحة طفلها تفعل ذلك طلباً لراحتها التى لن تتحقق إن نامت وتركته، أما الأب الذى يتعب كى يسعد أولاده فلعله يفعل ذلك هرباً من الشعور بالتقصير فى حقهم ولأنه لا يسعد إلا إذا هم سعدوا.. وفى النهاية لن نجد شيئاً واحداً يمكن تسميته "تضحية" بمعنى الكلمة.
وبتطبيق هذه النظرية علينا يمكننا تفسير حزننا على مآسى المسلمين المختلفة.. فقد تظن يا عزيزى القارىء أن تأثرك بخبر مقتل شاب فلسطينى برصاص جندى صهيونى أو بمقطع يُظهر مقتل خمسون أفغانياً بقنابل غارة أمريكية أو بتقرير عن تعذيب المسلمين بجوانتنمو يرجع لرابطة الأخوّة والدين.. لكنى سأبرهن لك أن هذا لا يمت للموضوع بأدنى صلة: ما شعورك لو قرأت عن مقتل فلسطينى فى حادثة سيارة؟ أو شاهدت قطاراً أفغانياً خرج عن مساره فمات ركابه؟ أو شاهدت تقريراً عن تعذيب صدام حسين للعراقيين؟ مختلف كثيراً أليس كذلك؟ سبب شعورنا بالحزن والتأثر إذاً هو عجْزنا عن صد اللطمات المنهمرة على وجوهنا من الخارج وليس مجرد قتيل هنا وجريح هناك. إن مقتل أحد أهل بيتك على يد مجرم عمداً يولد شعوراً يختلف تماماً عن موت نفس الشخص موتاً طبيعياً، لأن الحزن لا يكون على الشخص فقط فى حالة الجريمة بل هو غضب وتحسر وندم على حالك أنت لعجزك عن صد المجرم، إنه حزن أنانى.
كذا بالنسبة لغضبنا إزاء الرسومات المهينة لسيدنا محمد بالدنمرك وتمزيق المصحف بأمريكا.. لو كان غضبنا هذا دينياً بحتاً لكنا غضبنا على إهانة سيدنا عيسى بإستمرار فى الإعلام الغربى لأن المسلم -بنص القرآن- لا يفرق بين الرسل ولا يفاضل بينهم. بل إن نكاتاً مرسومة ومنطوقة تسخر من الذات الإلهية نفسها فى الغرب ولم نسمع عنها أصلاً ولم نكترث، لماذا؟ هل لأن سيدنا محمد أهم من الله؟ بالطبع لا.. لكن لأن إهتمامنا نابع من رفض "التطاول علينا" وليس من رفض "التطاول على المقدسات". لا يعنى هذا بالطبع أنها أحاسيس بغيضة أو غير مطلوبة بل بالعكس، فهذه الأنانية هى التى تحركنا لمحاولة رفع الظلم وتغيير الوضع القائم، لكنى ذهلت للحظة حين قارنت بين هذه المواقف وتلك لأجد أنى فى الحقيقة لا أغضب على الإساءة الإسلام ولا على إنتهاك أعراض المسلمين.. بل أحزن على حالى أنا وأثور لكرامة نفسى!
وهذا المفهوم الجديد يفتح الباب على مصراعيه حول سؤال هل الإنسان مخيّر أم مسيّر.. فلو كنا نتأثر عاطفياً بناءاً فقط على رغبات أنانية، ولو كانت تلك الرغبات لا إختيار لنا فيها بل نجدها ببساطة فى داخلنا فنتفاعل معها فى شكل قرارات محاولةً لإرضائها.. فهل يكون لدينا إختيار حقيقى فى أفعالنا؟ وهل يكون المحسن محسناً أم يكون مجرد أنانى يسعى وراء إسعاد نفسه؟ وهل يكون السارق سيئاً أم يكون مجرد شخص مختلف لا يتأثر بأحزان الآخرين بسبب تبلد إحساسه -الذى لا خيار له فيه- فاتجه إلى تحقيق سعادته بأذيتهم؟ أسئلة محيرة، وأترك القارىء يجيب عليها بنفسه.. لأن أنانيتى تمنعنى من مساعدته!
حسام حربى
</BLOCKQUOTE>